جاء السحاب .. بلا مطر
في مثلِ هذا اليوم وَلَدَتْنِي أُمّي. في مثلِ هذا اليوم منذ خمس وعشرين سنة وَضَعَتْنِي السَّكِينَةُ بين أيدي هذا الوجود المملوء بالصراخِ والنزاعِ والعراك. ... قد سرت خمسًا وعشرين مرة مع الأرض والقمر والشمس والكواكب حول الناموسِ الكلّي الأعلى، ولكن: هوذا نفسي تهمس الآن أسماء ذلك الناموس مثلما ترجّع الكهوفُ صَدَى أمواجِ البحر... منذ خمسٍ وعشرين سنة خَطَّتْنِي يَدُ الزَّمان كَلِمةً في كتاب هذا العالم الغريب الهائل. وهاأنذا كلمة مبهمة، ملتَبِسَةُ المعاني، تَرْمُزُ تارَةً إلى لا شيء وطورًا إلى أشياءَ كثيرة. ... في هذا اليوم تنتصب أمامي معاني حياتي الغابرة، كأنَّها مرآة ضئيلة أنظر فيها طويلاً فلا أَرَى سِوَى أوجُهِ السّنينَ الشاحبة، وملامحِ الآمالِ والأحلامِ والأماني المتجعِّدة كملامِحِ الشيوخ. ثم أغمض عيني وأنظر ثانية في تلك المرآة فلاَ أرى غيرَ وجهي. ثم أُحدِّق إلى وجهي فلا أرى فيه غيرَ الكآبة. ثم أستنطِقُ الكآبة فَأَجِدُهَا خرساء لا تتكلَّم. ولو تكلّمَتِ الكآبة لكانت أكثَرَ حَلاَوَة من الغبطة. في الخمس والعشرين سنة الغابرة قد أحببت كثيرًا. وكثيرًا ما أحببتُ ما يكرهُه الناس وكرِهْتُ ما يستحسنونه. والذي أَحْبَبْتُه عندما كنتُ صَبِيًّا ما زلت أحبُّه الآن. والذي أحبُّه الآن سأحبُّه إلى نهاية الحياة. فالمَحَبَّةُ هي كل ما أستطيع أن أحصل عليه ولا يقدر أَحَدٌ أَنْ يُفْقِدَني إِيَّاه.... أحببتُ الحرِّيَّة فكانت محبتي تنمو بِنُمُوِّ معرِفَتِي عبودِيَّةَ الناس للمجد والهوان، وتتَّسِعُ باتِّساعِ إدراكي خُضُوعَهُم للأصنامِ المخيفة التي نَحَتَتْهَا الأجيالُ المظلمة، ونَصَبَتْهَا الجَهَالة المستَمِرّة، ونَعَّمَتْ جَوَانِبَهَا ملامِسُ شِفَاهِ العبيد، لكنَّني كنتُ أحبُّ هؤلاءِ العبيد بمحَبَّتي الحرية، وأُشفِقُ عَلَيهم لأنّهم عميان يُقَبِّلونَ أحناك الضواري الدامية ولا يبصرون، ويمتصُّون لهاث الأفاعي الخبيثة ولا يشعرون، ويَحْفِرُون قبورَهُمْ بأظافِرِهِم ولا يعلمون. أَحْبَبْتُ الحرّيَّة أكثرَ من كلِّ شيء لأنَّني وجدتُهَا فتاة قد أضناها الانفراد، وأَنْحَلَهَا الاعتزال... حتى صارت خيالاً شَفَّافًا يَمُرُّ بين المنازِلِ، ويَقِفُ في منعَطَفَاتِ الشَّوارع، وينادي عابِرِي الطريق... فلا يسمعون ولا يلتفتون. في الخمسِ والعشرين سنة أحببتُ السعادة... لكنني لم أجدها... ولما انفَرَدْتُ بطلبها سمعت نفسي تهمس في أذني قائلة: السعادة صَبِيَّةٌ تولَدُ وتحيا في أعماق القلب ولن تجيء إليه من محيطه. ولمَّا فَتَحْتُ قلبي لكي أرى السعادة وجدت هناك مرآتها وسريرها وملابسها، لكنني لم أجدها. وقد أحببت الناس. أحببتهم كثيرًا. والناس في شرعي ثلاثة: واحد يلعن الحياة، وواحد يباركها، وواحد يتأمل بها. فقد أحببت الأول لتعاسته، والثاني لسماحته، والثالث لمداركه... واليوم... أقف بجانب نافذتي،... ثم أنظر مُتَأَمِّلاً بما وراءَ المدينة، فأرى البرِّيَّةَ بكلِّ ما فيها من الجمال الرهيب... ثم أنظر متأمِّلاً بما وراءَ البحر فأرى الفضاءَ غيرَ المُتَنَاهِي بكلّ ما فيه من العوالِمِ السَّابِحة، والكواكبِ اللاَّمِعَة، والشموسِ والأقمارِ والسيَّاراتِ والثَّوابِتِ وما بينها من الدوافِعِ والجواذِبِ المتسالمة المتنازعة، المتولَّدة، المتحوِّلة، المُتَمَاسِكَة بِناموسٍ لا حدَّ له ولا مدى... أنظُرُ وأتأمَّل بجميعِ هذه الأشياء... فأنسى الخمس والعشرين... ويظهر لي كِيَانِي ومحيطي بكلِّ ما أخفاه وأعلَنَهُ كَذَرَّةٍ من تنهُّدَةِ طفلٍ ترتجف في خلاء أَزَليِّ الأعماق، سرمديِّ العُلُوّ، أبديّ الحدود. لكني أشعر بكيانِ هذه الذرة، هذه النفس، هذه الذات التي أدعوها أنا... وبصوتٍ مُتَصَاعِدٍ من قُدْسِ أقْدَاسِهَا تصرخ: سلام أيتها الحياة. سلام أيتها اليقظة. سلام أيتها الرؤيا. سلام أيها النهار الغامِرُ بنورِكَ ظلمَةَ الأرض. سلام أيها الليل المظهِّر بظلمتِكَ أنوارَ السماء. سلام أيتها الفصول. سلام أيها الربيع المُعِيدُ شَبِيبَةَ الأرض. سلام أيها الصيف المذيعُ مجدَ الشمس. سلام أيها الخريف الواهبُ ثمارَ الأتعاب وإلَّةَ الأعمال. سلام أيها الشتاء المُرجعُ بثوراتك عزمَ الطبيعة. سلام أيتها الأعوام الناشِرَة ما أخفته الأعوام. سلام أيتها الأجيال المُصلِحَة ما أفسدته الأجيال. سلام أيها الزمن السائرُ بنا نحو الكمال. سلام أيها الروح الضابطُ أعنَّةَ الحياة. والمحجوبُ عنا بِنِقَابِ الشَّمْس .
أنا و القطار......
القطار هو ذلك الشيء الي ماشي في طريقه و بيقف عند كل محطة يركب ناس وبينزل ناس تانيين ... في النهاية كل الاناس بتنزل منه.. عمر ما حد طول فيه أو فضل فيه للأبد .. أصلا مفيش حد عاوز يطول فيه .. أي شخص لو ركبه بيركبه عشان يوصل لمكان معين و بمجرد ما يوصل ينزل و يسيبه .. ...... أنا بقى حياتي بالظبط زي القطار ده .. خلال المدة الي عشتها قابلت ناس كتيييييييييير و فارقت نااس أكتر .. لكن عمري ما كان عندي صديق دائم أو شخص قريب مني .. أصلا عمري ما وثقت في حد و آمنته على أسراري –ده إن كان عندي اسرار أصلاً- لأني متأكدة أن أي شخص أعرفه دلوقتي في يوم من الأيام هيبقى مجرد ذكريات .. كل صداقاتي كانت مصلحة .. مجرد ايام و بقضيها .. مش لأني نذلة أو مليش صاحب .. لألأ قطعاً لأأأأأأأأأ .. أنا عمري ما كنت نذلة .. أنا بس بحاول أني متعلقش بحد لأني واثقة ان أي صداقة بالنسبة ليا مصيرها في النهاية الفراق .. و أنا لما أتعلق بحد مبقدرش أسيبه .. و لعلك يا عزيزي القارئ تتساءل ليه أنا مقدرش أكون صداقات دائمة ؟؟؟ هقلك ليه .. لأني انا واحدة عمري ما جربت الاستقرار أو حتى شميت ريحته .. حياتي كلها ضايعة في السفر من مكان لمكان .. من أرض لأرض و غصب عني بسيب أعز و أغلى الناس عليا .. و البعد قد يطول لأيام و أسابيع و شهور و أحياناً سنين .. لكن مهما طال عمري ما بقدر أنسى أي شخص تعلقت بيه .. و تخيل عزيزي القارئ لو أنك مكاني .. تخيل أنك طول اليل و النهار بتفكر في الناس الي بتحبهم و نفسك ترجعلهم و هتموووووووووووت عشان تشوفهم و للأسف بينك و بينهم ملايين الكيلومترات .. و حتى لو كلمتهم كل يوم و شفتهم على النت ولا الموبايل برضو عمرده ما هيكون زي لما تكون جنبهم و معاهم .. أنا واحدة أكبر مشاكلي أني بسافر و بعيدة عن أهلي رغم ان ده حلم كتيييييييييييير من شباب مصر ... عشان كدا أنا بقول لأي واحد قريب من أهله و حبايبه و عايش وسطهم : أنااااااااا بحســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدك على النعمة الي أنت فيها...... و كمان بنصح أي شاب طموح بيحلم انو يسافر و يتغرب انو يعقل و يفكر ملييووووووووون مرة و يحمد ربنا عالنعمة ألي هو فيها و عموماً رزقه الي مكتوب ليه هيوصله اينما كان ....